فصل: تفسير الآية رقم (1):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (200- 201):

{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)}
قوله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ} أي: يصيبك ويعتريك ويعرض لك من الشيطان نزغ نخسة، والنزغ من الشيطان الوسوسة. وقال الزجاج: النزغ أدنى حركة تكون من الآدمي، ومن الشيطان أدنى وسوسة. وقال عبد الرحمن بن زيد: لما نزلت هذه الآية: {خذ العفو}، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كيف يا رب والغضب»؟ فنزل: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله} أي: استجر بالله {إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا} يعني المؤمنين، {إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ} قرأ ابن كثير وأهل البصرة والكسائي: {طيف}، وقرأ الآخرون {طائف} بالمد والهمز، وهما لغتان كالميت والمائت، ومعناهما: الشيء يلم بك. وفرق قوم بينهما، فقال أبو عمرو: الطائف ما يطوف حول الشيءُ والطيف: اللمة والسوسة، وقيل: الطائف ما طاف به من وسوسة الشيطان، والطيف اللمم والمس.
{تَذَكَّرُوا} عرفوا، قال سعيد بن جبير: هو الرجل يغضب الغضبة فيذكر الله تعالى فيكظم الغيظ. وقال مجاهد: هو الرجل يهم بالذنب فيذكر الله فيدعه. {فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} أي يبصرون مواقع خطاياهم بالتذكر والتفكر. قال السدي: إذا زلوا تابوا. وقال مقاتل: إن المتقي إذا أصابه نزغ من الشيطان تذكر وعرف أنه معصية، فأبصر فنزغ عن مخالفة الله.

.تفسير الآيات (202- 204):

{وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (202) وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)}
قوله: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ} يعني إخوان الشياطين من المشركين يمدونهم، أي: يمدهم الشيطان. قال الكلبي: لكل كافر أخ من الشياطين. {فِي الْغَيِّ} أي: يطلبون هم الإغواء حتى يستمروا عليه. وقيل: يزيدونهم في الضلالة. وقرأ أهل المدينة: {يمدونهم} بضم الياء وكسر الميم، من الإمداد، والآخرون: بفتح الياء وضم الميم وهما لغتان بمعنى واحد. {ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ} أي: لا يكفون. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا الإنس يقصرون عما يعملون من السيئات، ولا الشياطين يمسكون عنهم، فعلى هذا قوله: {ثم لا يقصرون} من فعل المشركين والشياطين جميعا. قال الضحاك ومقاتل: يعني المشركين لا يقصرون عن الضلالة ولا يبصرونها، بخلاف ما قال في المؤمنين: {تذكروا فإذا هم مبصرون}.
{وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ} يعني: إذا لم تأت المشركين بآية، {قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا} هلا افتعلتها وأنشأتها من قبل نفسك واختيارك؟ تقول العرب: اجتبيت الكلام إذا اختلقته. قال الكلبي: كان أهل مكة يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الآيات تعنتا فإذا تأخرت اتهموه وقالوا: لولا اجتبيتها؟ أي: هلا أحدثتها وأنشأتها من عندك؟ {قُلْ} لهم يا محمد {إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي} ثم قال: {هَذَا} يعني: القرآن {بَصَائِرُ} حجج وبيان وبرهان {مِنْ رَبِّكُمْ} واحدتها بصيرة، وأصلها ظهور الشيء واستحكامه حتى يبصره الإنسان، فيهتدي به يقول: هذا دلائل تقودكم إلى الحق. {وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.
قوله عز وجل: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} اختلفوا في سبب نزول هذه الآية فذهب جماعة إلى أنها في القراءة في الصلاة، روي عن أبي هريرة كانوا يتكلمون في الصلاة بحوائجهم فأمروا بالسكوت والاستماع إلى قراءة القرآن. وقال قوم: نزلت في ترك الجهر بالقراءة خلف الإمام.
وروى زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة قال: نزلت هذه الآية في رفع الأصوات وهم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة.
وقال الكلبي: كانوا يرفعون أصواتهم في الصلاة حين يسمعون ذكر الجنة والنار.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سمع ناسا يقرأون مع الإمام فلما انصرف قال: أما آن لكم أن تفقهوا وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا كما أمركم الله؟ وهذا قول الحسن والزهري والنخعي: أن الآية في القراءة في الصلاة.
وقال سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد: إن الآية في الخطبة، أمروا بالإنصات لخطبة الإمام يوم الجمعة.
وقال سعيد بن جبير: هذا في الإنصات يوم الأضحى والفطر ويوم الجمعة، وفيما يجهر به الإمام.
وقال عمر بن عبد العزيز: يجب الإنصات لقول كل واعظ.
والأول أولاها، وهو أنها في القراءة في الصلاة لأن الآية مكية والجمعة وجبت بالمدينة. واتفقوا على أنه مأمور بالإنصات حالة ما يخطب الإمام.
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ثنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ثنا أبو العباس الأصم ثنا الربيع ثنا الشافعي ثنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت».
واختلف أهل العلم في القراءة خلف الإمام في الصلاة: فذهب جماعة إلى إيحابها سواء جهر الإمام بالقراءة أو أسر. رُوي ذلك عن عمر، وعثمان، وعلي، وابن عباس، ومعاذ، وهو قول الأوزاعي والشافعي.
وذهب قوم إلى أنه يقرأ فيما أسر الإمام فيه بالقراءة ولا يقرأ إذا جهر، يروى ذلك عن ابن عمر، وهو قول عروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وبه قال الزهري ومالك وابن المبارك وأحمد وإسحاق.
وذهب قوم إلى أنه لا يقرأ سواء أسر الإمام أو جهر، يروى ذلك عن جابر، وبه قال الثوري وأصحاب الرأي ويتمسك من لا يرى القراءة خلف الإمام بظاهر هذه الآية، ومن أوجبها قال الآية في غير الفاتحة وإذا قرأ الفاتحة يتبع سكتات الإمام ولا ينازع الإمام في القراءة.
والدليل عليه: ما أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي، ثنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي، ثنا أبو العباس المحبوبي، ثنا أبو عيسى الترمذي، ثنا هناد، ثنا عبدة بن سليمان، عن وإنما قلنا: ذلك أولى بالصواب، لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «وإذا قرأ فأنصتوا» وإجماع الجميع على أن على من سمع خطبة الجمعة ممن عليه الجمعة، الاستماع والإنصات لها، مع تتابع الأخبار بالأمر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لا وقت يجب على أحد استماع القرآن والإنصات لسامعه، من قارئه، إلا من هاتين الحالتين، على اختلاف في إحداهما، وهي حالة أن يكون خلف إمام مؤتم به وقد صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا من قوله: «إذا قرأ الإمام فأنصتوا» فالإنصات خلفه لقراءته واجب على من كان به مؤتما سامعا قراءته، بعموم ظاهر القرآن والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
محمد بن إسحاق عن مكحول، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الصبح فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف قال: «إني أراكم تقرأون وراء إمامكم» قال: قلنا يا رسول الله إي والله، قال: «لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها».

.تفسير الآيات (205- 206):

{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)}
قوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ} قال ابن عباس: يعني بالذكر: القراءة في الصلاة، يريد يقرأ سرا في نفسه، {تَضَرُّعًا وَخِيفَةً} خوفا، أي: تتضرع إليّ وتخاف مني هذا في صلاة السر. وقوله: {وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} أراد في صلاة الجهر لا تجهر جهرا شديدا، بل في خفض وسكون، يسمع من خلفك، وقال مجاهد وابن جريج: أمر أن يذكروه في الصدور بالتضرع إليه في الدعاء والاستكانة دون رفع الصوت والصياح بالدعاء {بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} أي: بالبكر والعشيات، واحد آصال: أصيل مثل يمين وأيمان، وهو ما بين العصر والمغرب.
{إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} يعني: الملائكة المقربين بالفضل والكرامة، {لا يَسْتَكْبِرُونَ} لا يتكبرون، {عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ} وينزهونه ويذكرونه، فيقولون: سبحان الله. {وَلَهُ يَسْجُدُونَ}.
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أنبأنا أحمد بن الحسن الحيري، أنبأنا حاجب بن أحمد الطوسي، ثنا عبد الرحيم بن منيب، ثنا يعلى بن عبيد عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي، فيقول: يا ويله أمر هذا بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار».
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ثنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان، ثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني، ثنا حميد بن زنجويه، ثنا محمد بن يوسف، ثنا الأوزاعي، عن الوليد بن هشام، عن معدان قال: سألت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: حدثني حديثا ينفعني الله به، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها سيئة».

.سورة الأنفال:

.تفسير الآية رقم (1):

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ قُلِ الأنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)}
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ} الآية، قال أهل التفسير: سبب نزول هذه الآية هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: «من أتى مكان كذا فله من النفل كذا ومن قتل قتيلا فله كذا ومن أسر أسيرا فله كذا»، فلما التقوا تسارع إليه الشبان وأقام الشيوخ ووجوه الناس عند الرايات، فلما فتح الله على المسلمين جاءوا يطلبون ما جعل لهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الأشياخ: كنا ردءا لكم ولو انهزمتم لانحزتم إلينا، فلا تذهبوا بالغنائم دوننا، وقام أبو اليسر بن عمرو الأنصاري أخو بني سلمة فقال: يا رسول الله إنك وعدت أن من قتل قتيلا فله كذا ومن أسر أسيرا فله كذا وإنا قد قتلنا منهم سبعين وأسرنا منهم سبعين، فقام سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال: والله يا رسول الله ما منعنا أن نطلب ما طلب هؤلاء زهادة في الأجر ولا جبن عن العدو، ولكن كرهنا أن نعري مصافك فيعطف عليه خيل من المشركين فيصيبوك، فأعرض عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال سعيد: يا رسول الله إن الناس كثير والغنيمة دون ذلك، فإن تعط هؤلاء الذين ذكرت لا يبقى لأصحابك كبير شيء، فنزلت: {يسألونك عن الأنفال}.
وقال ابن إسحاق: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما في العسكر فجمع فاختلف المسلمون فيه، فقال من جمعه: هو لنا، قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل كل امرئ ما أصاب، وقال الذين كانوا يقاتلون العدو: لولا نحن ما أصبتموه، وقال الذين كانوا يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد رأينا أن نقتل العدو وأن نأخذ المتاع ولكنا خفنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كرة العدو، وقمنا دونه فما أنتم بأحق به منا.
وروى مكحول عن أبي أمامة الباهلي قال: سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال، قال: فينا معشر أصحاب بدر نزلت، حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا، فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا عن بواء- يقول على السواء- وكان في ذلك تقوى الله وطاعة رسوله وصلاح ذات البين.
وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: لما كان يوم بدر قتل أخي عمير، وقتلت سعيد بن العاص بن أمية، وأخذت سيفه، وكان يسمى ذا الكثيفة، فأعجبني فجئت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله إن الله قد شفى صدري من المشركين فهب لي هذا السيف. فقال: ليس هذا لي ولا لك، اذهب فاطرحه في القَبَض، فطرحته ورجعت، وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلاحي، وقلت: عسى أن يعطى هذا السيف من لم يَبْلُ بلائي فما جاوزت إلا قليلا حتى جاءني الرسول، وقد أنزل الله عز وجل: {يسألونك عن الأنفال}، الآية. فخفت أن يكون قد نزل فيَّ شيء، فلما انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا سعد إنك سألتني السيف وليس لي، وإنه قد صار لي الآن فاذهب فخذه فهو لك».
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت المغانم لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ليس لأحد فيها شيء، وما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به فمن حبس منه إبرة أو سلكا فهو غلول.
قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ} أي: عن حكم الأنفال وعلمها، وهو سؤال استخبار لا سؤال طلب، وقيل: هو سؤال طلب. قاله الضحاك وعكرمة. وقوله: {عَنِ الأنْفَالِ} أي: من الأنفال، عن بمعنى من. وقيل: عن صلة أي: يسألونك الأنفال، وهكذا قراءة ابن مسعود بحذف عن. والأنفال: الغنائم، واحدها: نَفَل، وأصله الزيادة، يقال: نفلتك وأنفلتك، أي: زدتك، سميت الغنائم أنفالا لأنها زيادة من الله تعالى لهذه الأمة على الخصوص.
وأكثر المفسرين على أن الآية في غنائم بدر. وقال عطاء: هي ما شذ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال، من عبد أو أمة ومتاع فهو للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع به ما شاء.
قوله تعالى: {قُلِ الأنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} يقسمها كما شاء واختلفوا فيه، فقال مجاهد وعكرمة والسدي: هذه الآية منسوخة بقوله عز وجل: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول} الآية. كانت الغنائم يومئذ للنبي صلى الله عليه وسلم فنسخها الله عز وجل بالخمس.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هي ثابتة غير منسوخة، ومعنى الآية: قل الأنفال لله مع الدنيا والآخرة وللرسول يضعها حيث أمره الله تعالى، أي: الحكم فيها لله ولرسوله، وقد بيّن الله مصارفها في قوله عز وجل: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} الآية.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} أي: اتقوا الله بطاعته وأصلحوا الحال بينكم بترك المنازعة والمخالفة، وتسليم أمر الغنيمة إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلم. {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.